جولة في عادات وتقاليد كوردية ما زالت حاضرة
...
عندما تتجول بين شوارع ومدن إقليم كوردستان، وحين تدخل بيوتات الكورد الجميلة تلاحظ إن الكورد وان طغى عليهم الطابع الحديث في الأكل والشرب والتعامل إلا إن بعض العادات والتقاليد القديمة ما زالت حاضرة في المأكل والملبس والمناسبات الخاصة والعامة ، كما إن المتنقل بين ربوع كوردستان سيجد من التسميات الكوردية الجميلة الكثير للجبال والمناطق المعروفة تمتد إلى الماضي السحيق . يقول كاكا عبد الله الساكن في مدينة دهوك " نحن شعب لم نترك تقاليدنا الشعبية وعاداتنا الأصيلة ، وما المظاهر الغربية الموجدة عندنا اليوم إلا علامة على التغير مع الواقع واللحاق بالركب العالمي بشرط أن لا يتعارض ذلك مع قيمنا الكوردية الأصيلة ، لذلك تجدنا نحافظ على تلك القيم والمبادئ ". وللخوض في صحة كلام كاكا عبد الله تجولنا بين ثنايا مدينة دهوك ، فكانت محطتنا الأولى عند أحد الأعراس الكوردية في قاعة للمناسبات بالمدينة ، وهناك رأينا بالفعل إن الأعراس هناك مزيج من بين الأمس واليوم حيث قاعات المناسبات والأجهزة الصوتية الحديثة والغناء الحديث ، في حين حافظ الرقص على كيانه القديم عبر رقصة الدبكة ( واهوات )، حيث يصطف الرجال والنساء بشكل جمالي وبصف طويل جداً يملئ جميع محيط القاعة ويبدأ الراقصون بأداء حركاتهم التي يحفظونها عن ظهر قلب ، وعندما يبدأ الرقص مع الأغنية الأولى لا ينتهي إلا مع أخر عزف موسيقي لأخر آلة تعمل، فالرقص متواصل ويصل إلى ساعات ويشارك فيه الأطفال أيضاً في حين يقف والد العروس وسط القاعة ليستقبل التهاني من مسافة غير بعيدة عن العروسين الذين يدخلون في لعبة ( واهوات ) ويرقصون وهلة من الزمن ثم يعودون إلى مقاعدهم كمتفرجين من جانب وكأبطال حفل من جانب آخر ...
يقول والد العريس في الحفل الذي حضرناه " كما تشاهد فإن النساء يلبسن ( الكراسو فستان ) وهو الزي النسائي الكوردي باعتباره من أهم العلامات البارزة في الحفل، رغم غلاء ثمنه ، أما الرجال فيغلب عليهم لبس الزي الغربي الحديث في حين يلبس بعضهم الزي الكوردي المعروف ( الخاك )، لذا فان العرس الكوردي هذه الأيام رغم كل المظاهر الحديثة التي ترافقه إلا انه ما زال يحمل نكهة الماضي ، مع الاعتراف بأنه حينما كان في الربوع الخضراء أكثر جمالاً من القاعات المغلقة التي حبسته بين أربع جدران ". وغير بعيد عن موضوع الأزياء تحدث السيد عثمان مدحت عن زي كوردي آخر قائلاً " ( شال شابك ) يعتبر الزي الكوردي الرسمي الذي يستخدم في المناسبات كثيراً، ولكنه لا يعتبر زي العامة من الرجال إنما يقتصر على شيوخ العشائر والوجهاء كونه غالي الثمن ويصل سعره هذه الأيام إلى ألف دولار، وهذا الزي يلبسه الوجهاء في المناسبات وغير المناسبات ". وبالفعل فقد شاهدنا رجلاً كوردياً يرتدي هذا الزي الأخاذ وهو يتمشى في احد شوارع دهوك وقت الظهيرة . ظهيرة اليوم التالي التي شاهدنا فيها الرجل الكوردي وهو يرتدي زي ( شال شابك )، كان هناك موعداً لزيارة أصدقاء كانوا يقيمون عزاءاً لوالدتهم في إحدى جوامع منطقة تل ( مالطا ) بمدينة دهوك ، وفي طقوس شبيهة بتلك الحاصلة بالعاصمة بغداد وقف أهل العزاء مدخل قاعة المناسبات في الجامع مستقبلين المعزين، فيما تواجدت أعداد من المعزين في القاعة . حال دخولنا القاعة قُرأت سورة الفاتحة من الجميع وجلس الجميع صامتون منتظرون الضيف التالي لتتكرر عملية قراءة سورة الفاتحة، وهكذا دواليك حتى تنتهي الفترة المقررة للعزاء، يقول احد الكورد القادمين معنا لتقديم العزاء شارحاً بالتفصيل تقاليد الموت والدفن في المنطقة " عندما يتوفى شخص من المنطقة يهب كبار السن والوجهاء إلى تبني مراسيم الدفن تاركين لصاحب المصيبة الاهتمام باستقبال المعزين فقط ، فتتم عملية نقل الجثمان إلى مكان الدفن بمساعدة هؤلاء ومن دون تأجير سيارات خاصة ، بعدها تتم عملية الغسل والدفن التي يتكفل بدفع مصاريفها بعض الميسورين الذين يوفرون حفار خاص بحفر القبور، ومن ثم تنتهي عملية الدفن وتبدأ عملية استقبال العزاء التي تحصل في احد الجوامع ومن دون دفع أي مبلغ كهدية للجامع . وباختصار فان صاحب المصاب لن يضطر لدفع أي فلس فوق مصابه ". محطتنا التالية كانت في بيت رئيس التحرير الأستاذ هفال زاخويي وفيه دار حديث طويل عن الأكلات هناك وبالذات عن أكلة اللبنية ( كوتيلدو ) وهي الأكلة التي كانت بها المائدة عامرة ساعة المساء ، حيث تحدثت في البدء عنها معدتها السيدة أم ألند قائلة " تتكون هذه الأكلة من اللبن المجفف والنعناع والبقدونس، وهي أكلة تراثية قديمة ما زالت تتواجد على الموائد الكوردية بسبب مذاقها الطيب وحب العوائل الكوردية لها . ومن الجدير بالذكر إن اغلب الأكلات الكوردية الشعبية تعمل من النباتات البرية غير الموجودة في المناطق الأخرى مثل الخباز ( شوكيك ) و ( كاري ) الذي لا يؤكل نياً بسبب حرارته ومرورته العالية ، ولا يطهى إلا مع إضافة ( السماك ) والراشي لتقليل تأثير طعمه ". وأكمل الحديث احد الحضور الذي قال " من الأكلات الشعبية الأخرى المشهورة عندنا أكلة ( دوين ) وهي ( حبية ) تخلط باللبن وتغلى ، كذلك أكلة ( گلول ) وتتكون من الرز واللبن، أيضاً أكلة ( آڤ شيرين ) وتعني بالعربية ( الماء الحلو ) وتتكون من القرع والحمص مع الرز، بالإضافة على أكلات أخرى كثيرة ". وفي رحلتنا نحو الجبال باليوم التالي عرفنا إن لواجهات الجبال تسميات قديمة شائعة تقسم الجبل على قسمين بحسب انعكاس أشعة الشمس عليه ، الأول ( بروج ) ويطلق على الجزء المتعرض لأشعة الشمس ( المضيء ) والثاني ( نزار ) وهو الجزء المليء بالثلج والذي لا تصله أشعة الشمس إطلاقاً . أما ( كلي ) زاخو الواقع بين جبلين كبيرين فتسمية الجبلين تنقسم بين الجبل الأبيض وجبل ( به خير )، يقول احد سكان المنطقة " الجبل البيض ممتلئ بالينابيع والخيرات ، فيما جبل (به خير) فيعني (من دون خير) لذا فهو جبل خالي من الينابيع ولكن يتواجد فيه الماعز الجبلي فقط ". وعرفنا بان التسميات القديمة الخاصة بالجبال ما زالت محافظة على كيانها من دون تغيير، فيما تغيرت الكثير من العادات والتسميات بسب التطور الكبير الذي شهده الإقليم في العقود الأخيرة .
موضوع: جولة في عادات وتقاليد كوردية ما زالت حاضرة 
الإثنين يونيو 04, 2012 5:02 pm